فصل: باب أخذ الشارب وإعفاء اللحية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب وجوب تقدمة الاستنجاء على الوضوء

1- عن سليمان بن يسار قال‏:‏ ‏(‏أرسل علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه المقداد إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يسأله عن الرجل يجد المذي فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يغسل ذكره ثم ليتوضأ‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏.‏

الحديث قال ابن حجر‏:‏ منقطع وقد ساقه المصنف للاستدلال به على وجوب تقديم الاستنجاء على الوضوء وترجم الباب بذلك لأن لفظة ثم تشعر بالترتيب ويشكل عليه ما وقع في البخاري من تقديم الأمر بالوضوء على الغسل قال الحافظ‏:‏ ووقع في العمدة نسبة ذلك إلى البخاري وبالعكس‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ قد يؤخذ من قوله‏:‏ صلى اللَّه عليه وآله وسلم في بعض الروايات ‏(‏توضأ وانضح فرجك‏)‏ جواز تأخير الاستنجاء عن الوضوء وقد صرح به بعضهم قال‏:‏ وهذا يتوقف على القول بأن الواو للترتيب وهو مذهب ضعيف انتهى‏.‏

وأنت خبير بأن صحة استدلال ذلك البعض لا تتوقف على ما ذكره ابن دقيق العيد من كون الواو للترتيب بل يصح على المذهب المشهور وهو أن الواو لمطلق الجمع من غير ترتيب ولا معية لأن الواو على هذا تدل على جواز تقدم ما قبلها على ما بعدها وعكسه وإيقاع الأمرين معًا فيما يمكن فيه ذلك وليس مطلوب ذلك المستدل إلا جواز التقديم والعطف بالواو الجامعة تدل عليه من دون توقف ذلك على القول بكونها للترتيب‏.‏ ويمكن أن يقال في جواب ذلك الإشكال على حديث الباب بأن رواية حديث الباب مقيدة والروايات الواردة بالواو مطلقة فيحمل المطلق على المقيد ويصح استدلال المصنف رحمه اللَّه‏.‏ وقد تقدم الكلام على المذي في

 باب ما جاء في المذي من أبواب تطهير النجاسة

2- وعن أبي بن كعب رضي اللَّه عنه أنه قال‏:‏ ‏(‏يا رسول اللَّه إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل قال‏:‏ يغسل ما مس المرأة منه ثم يتوضأ ويصلي‏)‏‏.‏

أخرجاه‏.‏

الكلام على الحديث محله الغسل وسيأتي الخلاف في نسخه وعدمه والمصنف رحمه اللَّه أورده هنا للاستدلال به على وجوب تقديم الاستنجاء على الغسل لترتيبه الوضوء على غسل ما مس المرأة منه قال رحمه اللَّه‏:‏ وحكم هذا الخبر في ترك الغسل من ذلك منسوخ وسيذكر في موضعه انتهى‏.‏

 أبواب السواك وسنن الفطرة

 

باب الحث على السواك وذكر ما يتأكد عنده

1- عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ السواك مطهرة للفم مرضاة للرب‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي وهو للبخاري تعليق‏.‏

وأخرجه أيضا ابن حبان موصولًا من حديث عبد الرحمن بن أبي عتيق سمعت أبي سمعت عائشة بهذا قال ابن حبان‏:‏ أبو عتيق هذا هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر ابن أبي قحافة‏.‏

وقال الحافظ‏:‏ إنما هو من رواية ابنه عبد اللَّه عنها قال‏:‏ ورواه أحمد بن حنبل عن عبد اللَّه عنها وقد طول الكلام عليه في التلخيص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبواب السواك وسنن الفطرة‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ السواك بكسر السين وهو يطلق على الفعل وعلى العود الذي يتسوك به وهو مذكر قال الليث‏:‏ وتؤنثه العرب قال الأزهري‏:‏ هذا من أغاليط الليث القبيحة وذكر صاحب المحكم أنه يؤنث ويذكر والسواك فعلك بالسواك ويقال ساك فمه يسوكه سوكًا قلت‏:‏ استاك لم تذكر الفم وجمع السواك سوك بضمتين ككتاب وكتب وذكر صاحب المحكم أنه يجوز سؤك بالهمز قال النووي‏:‏ ثم قيل إن السواك مأخوذ من ساك إذا دلك‏.‏ وقيل من جاءت الإبل تستاك أي تتمايل هزالًا‏.‏ وهو في اصطلاح العلماء استعمال عود ونحوه في الأسنان ليذهب الصفرة وغيرها عنها‏.‏

وأما الفطرة فقد اختلف العلماء في المراد بها ههنا قال الخطابي‏:‏ ذهب أكثر العلماء إلى أنها السنة وكذا ذكر جماعة غير الخطابي‏.‏ وقيل هي الدين حكاه في الفتح عن طائفة من العلماء وبه جزم أبو نعيم في المستخرج‏.‏

وقال الراغب‏:‏ أصل الفطرة الشق طولًا ويطلق على الوهي وعلى الاختراع‏.‏ وقال أبو شامة‏:‏ أصل الفطرة الخلقة المبتدأة ومنه ‏{‏فاطر السماوات والأرض‏}‏ أي المبتدئ خلقهن والمراد بقوله‏:‏ صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏كل مولود يولد على الفطرة‏)‏ أي على ما ابتدأ اللَّه خلقه عليه وفيه إشارة إلى قوله‏:‏ تعالى ‏{‏فطرة اللَّه التي فطر الناس عليها‏}‏ والمعنى أن كل واحد لو ترك في وقت ولادته وما يؤديه إليه نظره لأداه إلى الدين الحق وهو التوحيد‏.‏ ويؤيده أيضًا قوله‏:‏ تعالى ‏{‏فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة اللَّه‏}‏ وإليه يشير في بقية الحديث حيث عقبه بقوله‏:‏ ‏(‏فأبواه يهودانه أو ينصرانه‏)‏‏.‏

والحديث يدل على مشروعية السواك لأنه سبب لتطهير الفم وموجب لرضا اللَّه على فاعله وقد أطلق فيه السواك ولم يخصه بوقت معين ولا بحالة مخصوصة فأشعر بمطلق شرعيته وهو من السنن المؤكدة وليس بواجب في حال من الأحوال لما سيأتي في حديث أبي هريرة ‏(‏لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك‏)‏ ونحوه‏.‏ قال النووي بإجماع من يعتد به في الإجماع‏.‏ وحكى أبو حامد الإسفرايني عن داود الظاهري أنه أوجبه في الصلاة وحكى الماوردي عنه أنه واجب لا تبطل الصلاة بتركه‏.‏

وحكى عن إسحاق بن راهويه أنه واجب تبطل الصلاة بتركه عمدًا‏.‏ قال النووي‏:‏ وقد أنكر أصحابنا المتأخرون على الشيخ أبي حامد وغيره نقل الوجوب عن داود وقالوا مذهبه أنه سنة كالجماعة ولو صح إيجابه عن داود لم يضر مخالفته في انعقاد الإجماع على المختار الذي عليه المحققون والأكثرون قال‏:‏ وأما إسحاق فلم يصح هذا المحكي عنه انتهى‏.‏ وعدم الاعتداد بخلاف داود مع علمه وورعه وأخذ جماعة من الأئمة الأكابر بمذهبه من التعصبات التي لا مستند لها إلا مجرد الهوى والعصبية وقد كثر هذا الجنس في أهل المذاهب وما أدري ما هو البرهان الذي قام لهؤلاء المحققين حتى أخرجوه من دائرة علماء المسلمين فإن كان لما وقع منه من المقالات المستبعدة فهي بالنسبة إلى مقالات غيره المؤسسة على محض الرأي المضادة لصريح الرواية في حيز القلة المتبالغة فإن التعويل على الرأي وعدم الاعتناء بعلم الأدلة قد أفضى بقوم إلى التمذهب بمذاهب لا يوافق الشريعة منها إلا القليل النادر وأما داود فما في مذهبه من البدع التي أوقعه فيها تمسكه بالظاهر وجموده عليه هي في غاية الندرة ولكن‏:‏ لهوى النفوس سريرة لا تعلم‏.‏

قال النووي‏:‏ والسواك مستحب في جميع الأوقات لكن في خمسة أوقات أشد استحبابًا‏:‏ أحدها عند الصلاة سواء كان متطهرًا بماء أو بتراب أو غير متطهر كمن لم يجد ماء ولا ترابًا‏.‏ الثاني عند الوضوء‏.‏ الثالث عند قراءة القرآن‏.‏ الرابع عند الاستيقاظ من النوم‏.‏ الخامس عند تغير الفم وتغيره يكون بأشياء منها ترك الأكل والشرب ومنها أكل ما له رائحة كريهة ومنها طول السكوت ومنها كثرة الكلام‏.‏

وقد قامت الأدلة على استحبابه في جميع هذه الحالات التي ذكرها‏.‏ وسيأتي ذكر بعضها في هذا الباب قال‏:‏ ومذهب الشافعي أن السواك يكره للصائم بعد زوال الشمس لئلا تزول رائحة الخلوف المستحبة وسيأتي الكلام عليه في باب السواك للصائم إن شاء اللَّه‏.‏ ويستحب أن يستاك بعود من أراك وبأي شيء استاك مما يزيل التغير حصل السواك كالخرقة الخشنة والأسنان‏.‏

وللفقهاء في السواك آداب وهيئات لا ينبغي للفطن الاغترار بشيء منها إلا أن يكون موافقًا لما ورد عن الشارع ولقد كرهوه في أوقات وعلى حالات حتى كاد يفضي ذلك إلى ترك هذه السنة الجليلة وإطراحها وهي أمر من أمور الشريعة ظهر ظهور النهار وقبله من سكان البسيطة أهل الأنجاد والأغوار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مطهرة للفم‏)‏ المطهرة بكسر الميم وتفتح قال في الديوان‏:‏ الفتح أفصح‏.‏

2- وعن زيد بن خالد قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لولا أن أشق على أمتي لأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل ولأمرتهم بالسواك عند كل صلاة‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏

الحديث رواه الحاكم من حديث أبي هريرة بلفظ ‏(‏لفرضت عليهم السواك مع الوضوء ولأخرت العشاء إلى نصف الليل‏)‏ وروى النسائي الجملة الأولى وروى العقيلي وأبو نعيم والبيهقي من طريق أخرى عن سعيد به‏.‏ ورواه أبو داود ومسلم بلفظ‏:‏ ‏(‏لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء والسواك عند كل صلاة‏)‏ ورواه أيضًا أبو داود عن زيد بن خالد باللفظ الذي في الكتاب ورواه البزار وأحمد من حديث علي نحوه وروى الجملة الأولى أيضًا الترمذي وأحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان من حديث أبي هريرة‏.‏ ولفظ الترمذي ‏(‏إلى ثلث الليل أو نصفه‏)‏ ولفظ أحمد وابن حبان ‏(‏إلى ثلث الليل‏)‏ ولم يشك وروى الجملة الثانية النسائي وأحمد وابن خزيمة من حديث أبي هريرة وعلقها البخاري وروى ابن حبان في صحيحه من حديث عائشة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع الوضوء عند كل صلاة‏)‏‏.‏

وروى ابن أبي خيثمة في تاريخه بسند حسن عن أم حبيبة ‏(‏لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضئون‏)‏‏.‏

والحديث يدل على ندبية تأخير العشاء إلى ثلث الليل لأن لولا لامتناع الثاني لوجود الأول فإذا ثبت وجود الأول ثبت امتناع الثاني وبقي الندب‏.‏ ومحل الكلام على هذه الجملة الصلاة إن شاء اللَّه تعالى‏.‏

ويدل أيضًا على ندبية السواك بمثل ما ذكرناه في صلاة العشاء ويرد على من قال لا يستحب السواك للصلاة وقد نسبه في البحر إلى الأكثر ويرد مذهب الظاهرية القائلين بالوجوب إن صح عنهم وقد سبق كلام النووي في ذلك‏.‏

3- وعن أبي هريرة‏:‏ عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏ وفي رواية لأحمد‏:‏ ‏(‏لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء‏)‏‏.‏ وللبخاري تعليقًا‏:‏ ‏(‏لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء‏)‏ قال‏:‏ ويروى نحوه عن جابر وزيد بن خالد عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

الحديث قال ابن منده‏:‏ إسناده مجمع على صحته‏.‏ وقال النووي‏:‏ غلط بعض الأئمة الكبار فزعم أن البخاري لم يخرجه وهو خطأ منه وقد أخرجه من حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وليس هو في الموطأ من هذا الوجه بل هو فيه عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء‏)‏ ولم يصرح برفعه‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ وحكمه الرفع وقد رواه الشافعي عن مالك مرفوعًا‏.‏

وفي الباب عن زيد بن خالد عند الترمذي وأبي داود وعن علي عند أحمد وعن أم حبيبة عند أحمد أيضًا وعن عبد اللَّه بن عمرو وسهل بن سعد وجابر وأنس عند أبي نعيم قال الحافظ‏:‏ وإسناد بعضها حسن‏.‏ وعن ابن الزبير عند الطبراني وعن ابن عمر وجعفر بن أبي طالب عند الطبراني أيضًا‏.‏

والحديث يدل على أن السواك غير واجب وعلى شرعيته عود الوضوء وعند الصلاة لأنه إذا ذهب الوجوب بقي الندب كما تقدم وعلى أن الأمر للوجوب لأن كلمة لولا تدل على انتفاء الشيء لوجود غيره فيدل على انتفاء الأمر لوجود المشقة والمنفي لأجل المشقة إنما هو الوجوب لا الاستحباب فإن استحباب السواك ثابت عند كل صلاة فيقتضي ذلك أن الأمر للوجوب وفيه خلاف في الأصول على أقوال‏.‏

ويدل الحديث أيضًا على أن المندوب غير مأمور به لمثل ما ذكرناه وفيه أيضًا خلاف في الأصول مشهور‏.‏

ويدل أيضًا على أن للنبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يحكم بالاجتهاد ولا يتوقف حكمه على النص لجعله المشقة سببًا لعدم الأمر منه ولو كان الأمر موقوفًا على النص لكان سبب عدم الأمر منه عدم النص لا مجرد المشقة وفيه احتمال للبحث والتأويل كما قاله ابن دقيق العيد‏.‏

وهو أيضًا يدل بعمومه على استحباب السواك للصائم بعد الزوال لأن الصلاتين الواقعتين بعده داخلتان تحت عموم الصلاة فلا تتم دعوى الكراهة إلا بدليل يخصص هذا العموم وسيأتي الكلام على ذلك‏.‏

4- وعن المقدام بن شريح عن أبيه قال‏:‏ ‏(‏قلت لعائشة رضي اللَّه عنها‏:‏ بأي شيء كان يبدأ النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا دخل بيته قالت‏:‏ بالسواك‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي‏.‏

الحديث رواه ابن حبان في صحيحه وفيه بيان فضيلة السواك في جميع الأوقات وشدة الاهتمام به وتكراره لعدم تقييده بوقت الصلاة والوضوء‏.‏

وعن حذيفة رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا الترمذي‏.‏ والشوص الدلك‏.‏ وللنسائي عن حذيفة قال‏:‏ ‏(‏كنا نؤمر بالسواك إذا قمنا من الليل‏)‏‏.‏

الحديث متفق عليه من حديث حذيفة بلفظ‏:‏ ‏(‏كان إذا قام من النوم يشوص فاه بالسواك‏)‏ وفي لفظ لمسلم‏:‏ ‏(‏كان إذا قام ليتهجد يشوص فاه بالسواك‏)‏ واستغرب ابن منده من هذه الزيادة وقد رواها الطبراني من وجه آخر بلفظ‏:‏ ‏(‏كنا نؤمر بالسواك إذا قمنا من الليل‏)‏ ورواه أيضًا النسائي كما في حديث الباب ورواه مسلم وأبو داود وابن ماجه والحاكم من حديث ابن عباس في قصة نومه عند النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏فلما استيقظ من منامه أتي طهوره فأخذ سواكه فاستاك‏)‏ وفي رواية أبي داود التصريح بتكرار ذلك‏.‏

وفي رواية للطبراني كان يستاك من الليل مرتين أو ثلاثًا وفي رواية له عن الفضل بن عباس ‏(‏لم يكن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقوم إلى الصلاة بالليل إلا استن‏)‏ ورواه أبو داود من حديث عائشة بلفظ‏:‏ ‏(‏كان يوضع له سواكه ووضوؤه فإذا قام من الليل تخلى ثم استاك‏)‏ وصححه ابن منده ورواه ابن ماجه والطبراني من وجه آخر عن ابن أبي مليكة عنها وصححه الحاكم وابن السكن‏.‏ ورواه أبو داود عن عائشة أيضًا بلفظ‏:‏ ‏(‏كان لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ‏)‏ وفيه علي بن زيد‏.‏

وفي الباب عن ابن عمر عند أحمد وعن معاوية عند الطبراني وإسناده ضعيف‏.‏ وعن أنس عند البيهقي وعن أبي أيوب عند أبي نعيم قال الحافظ‏:‏ وكلها ضعيفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يشوص‏)‏ بضم المعجمة وبسكون الواو شاصه يشوصه وماصه يموصه إذا غسله والشوص بالفتح والتنظيف كذا في الصحاح وقيل الغسل وقيل التنقية وقيل الدلك وقيل الإمرار على الأسنان من أسفل إلى فوق وعكسه الخطابي فقال‏:‏ هو دلك الأسنان بالسواك والأصابع عرضًا‏.‏

والحديث يدل على استحباب السواك عند القيام من النوم لأنه مقتض لتغير الفم لما يتصاعد إليه من أبخرة المعدة والسواك ينظفه ولهذا أرشد إليه‏.‏

وظاهر قوله‏:‏ من الليل ومن النوم العموم لجميع الأوقات قال ابن دقيق العيد‏:‏ ويحتمل أن يخص بما إذا قام إلى الصلاة قال الحافظ‏:‏ ويدل عليه رواية البخاري بلفظ‏:‏ ‏(‏إذا قام للتهجد‏)‏ ولمسلم نحوه انتهى‏.‏ فيحمل المطلق على المقيد ولكنه بعد معرفة أن العلة التنظيف لا يتم ذلك لأنه مندوب إليه في جميع الأحوال‏.‏

6- وعن عائشة رضي اللَّه عنها‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان لا يرقد ليلًا ولا نهارًا فيستيقظ إلا تسوك‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة وقد تقدم الكلام عليه وعلى فقهه في الذي قبله‏.‏

 باب تسوك المتوضئ بإصبعه عند المضمضة

1- عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أنه دعا بكوز من ماء فغسل وجهه وكفيه ثلاثًا وتمضمض ثلاثًا فأدخل بعض أصابعه في فيه واستنشق ثلاثًا وغسل ذراعيه ثلاثًا ومسح رأسه واحدة‏)‏‏.‏ وذكر باقي الحديث وقال‏:‏ ‏(‏هكذا كان وضوء نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث يأتي الكلام على أطرافه في الوضوء وقد ساقه المصنف للاستدلال بقوله‏:‏ ‏(‏فأدخل بعض أصابعه في فيه‏)‏ على أنه يجزئ التسوك بالإصبع‏.‏ وقد روى ابن عدي والدارقطني والبيهقي من حديث عبد اللَّه بن المثنى عن النضر بن أنس عن أنس مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏يجزئ من السواك الأصابع‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وفي إسناده نظر‏.‏ وقال أيضًا‏:‏ لا أرى بسنده بأسًا وقال البيهقي‏:‏ المحفوظ عن ابن المثنى عن بعض أهل بيته عن أنس نحوه‏.‏ ورواه أبو نعيم والطبراني وابن عدي من حديث عائشة وفيه المثنى بن الصباح‏.‏ ورواه أبو نعيم أيضًا من حديث كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده وكثير ضعفوه‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وأصح من ذلك ما رواه أحمد في مسنده من حديث علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه وذكر حديث الباب‏.‏

وروى أبو عبيد في كتاب الطهور عن عثمان أنه كان إذا توضأ يسوك فاه بإصبعه وروى الطبراني من حديث عائشة ‏(‏قلت‏:‏ يا رسول اللَّه الرجل يذهب فوه أيستاك قال‏:‏ نعم قلت‏:‏ كيف يصنع قال‏:‏ يدخل إصبعه في فيه‏)‏ رواه بإسناد فيه عيسى بن عبد اللَّه الأنصاري وقال‏:‏ لا يروى إلا بهذا الإسناد قال الحافظ‏:‏ وعيسى ضعفه ابن حبان وذكر له ابن عدي هذا الحديث من مناكيره‏.‏

 باب السواك للصائم

1- عن عامر بن ربيعة قال‏:‏ ‏(‏رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن‏.‏

قال الحافظ‏:‏ رواه أصحاب السنن وابن خزيمة وعلقه البخاري وفيه عاصم بن عبيد اللَّه وهو ضعيف قال ابن خزيمة‏:‏ وأنا أبرأ من عهدته لكن حسن الحديث غيره‏.‏ وقال الحافظ أيضًا‏:‏ إسناده حسن‏.‏

والحديث يدل على استحباب السواك للصائم من غير تقييد بوقت دون وقت وهو يرد على الشافعي قوله‏:‏ بالكراهة بعد الزوال للصائم مستدلًا بحديث الخلوف الذي سيأتي‏.‏

وقد نقل الترمذي أن الشافعي قال لا بأس بالسواك للصائم أول النهار وآخره واختاره جماعة من أصحابه منهم أبو شامة وابن عبد السلام والنووي والمزني‏.‏

قال ابن عبد السلام في قواعده الكبرى‏:‏ وقد فضل الشافعي تحمل الصائم مشقة رائحة الخلوف على إزالته بالسواك مستدلًا بأن ثوابه أطيب من ريح المسك ولا يوافق الشافعي على ذلك إذ لا يلزم من ذكر ثواب العمل أن يكون أفضل من غيره لأنه لا يلزم من ذكر الفضيلة حصول الرجحان بالأفضلية ألا ترى أن الوتر عند الشافعي في قوله‏:‏ الجديد أفضل من ركعتي الفجر مع قوله‏:‏ عليه السلام ‏(‏ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها‏)‏ وكم من عبادة قد أثنى الشارع عليها وذكر فضيلتها وغيرها أفضل منها وهذا من باب تزاحم المصلحتين اللتين لا يمكن الجمع بينهما فإن السواك نوع من التطهر المشروع لأجل الرب سبحانه لأن مخاطبة العظماء مع طهارة الأفواه تعظيم لا شك فيه ولأجله شرع السواك وليس في الخلوف تعظيم ولا إجلال فكيف يقال إن فضيلة الخلوف تربى على تعظيم ذي الجلال بتطييب الأفواه إلى أن قال‏:‏ والذي ذكره الشافعي رحمه اللَّه تخصيص للعام بمجرد الاستدلال المذكور المعارض بما ذكرنا‏.‏

قال الحافظ في التلخيص‏:‏ استدلال أصحابنا بحديث خلوف فم الصائم على كراهة الاستياك بعد الزوال لمن يكون صائمًا فيه نظر لكن في رواية للدارقطني عن أبي هريرة قال‏:‏ لك السواك إلى العصر فإذا صليت فألقه فإني سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ ‏(‏لخلوف فم الصائم‏)‏ الحديث قال‏:‏ وقد عارضه حديث عامر بن ربيعة يعني حديث الباب وقال‏:‏ وفي الباب حديث علي ‏(‏إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كانت له نورًا بين عينيه يوم القيامة‏)‏ أخرجه البيهقي قال الحافظ‏:‏ وإسناده ضعيف انتهى‏.‏

وقول أبي هريرة مع كونه لا يدل على المطلوب لا حجة فيه على أن فيه عمر بن قيس وهو متروك وكذلك حديث علي مع ضعفه لم يصرح فيه بالرفع فالحق أنه يستحب السواك للصائم أول النهار وآخره وهو مذهب جمهور الأئمة‏.‏

2- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من خير خصال الصائم السواك‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏ قال البخاري‏:‏ وقال ابن عمر‏:‏ يستاك أول النهار وآخره‏.‏

الحديث قال في التلخيص‏:‏ هو ضعيف ورواه أبو نعيم من طريقين آخريين عنها وروى النسائي في الكنى والعقيلي وابن حبان في الضعفاء والبيهقي من طريق عاصم عن أنس ‏(‏يستاك الصائم أول النهار وآخره برطب السواك ويابسه‏)‏ ورفعه‏.‏ وفيه إبراهيم بن بيطار الخوارزمي قال البيهقي‏:‏ انفرد به إبراهيم بن بيطار ويقال إبراهيم بن عبد الرحمن قاضي خوارزمي وهو منكر الحديث‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ لا يصح ولا أصل له من حديث النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولا من حديث أنس وذكره ابن الجوزي في الموضوعات‏.‏

قال الحافظ‏:‏ قلت له شاهد من حديث معاذ رواه الطبراني في الكبير وقال أحمد بن منيع في مسنده‏:‏ حدثنا الهيثم بن خارجة حدثنا يحيى بن حمزة عن النعمان ابن المنذر عن عطاء وطاوس ومجاهد عن ابن عباس ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم تسوك وهو صائم‏)‏‏.‏

الحديث يدل على أن السواك من خير خصال الصائم من غير فرق بين قبل الزوال وبعده وقد تقدم الكلام على ذلك في الحديث الأول‏.‏

3- عن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لخلوف فم الصائم أطيب عند اللَّه من ريح المسك‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

الحديث له طرق وألفاظ ورواه مسلم من حديث أبي سعيد والبزار من حديث علي وابن حبان من حديث الحارث الأشعري وأحمد من حديث ابن مسعود والحسن بن سفيان من حديث جابر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لخلوف‏)‏ بضم الخاء قال القاضي عياض‏:‏ قيدناه عن المتقنين بالضم وأكثر المحدثين يفتحون خاءه وهو خطأ وعده الخطابي في غلطات المحدثين وهو تغير رائحة الفم‏.‏

وقد استدل الشافعي بالحديث على كراهة الاستياك بعد الزوال للصائم لأنه يزيل الخلوف الذي هو أطيب عند اللَّه من ريح المسك وهذا الاستدلال لا ينتهض لتخصيص الأحاديث القاضية باستحباب السواك على العموم ولا على معارضة ‏[‏قوله‏:‏ ولا على أي ولا يقوى على معارضة تلك الخ‏.‏ وحذف لدلالة ما قبله عليه‏]‏‏.‏ تلك الخصوصات وقد سبق الكلام على ذلك في حديث عامر بن ربيعة‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ وبه احتج من كره السواك للصائم بعد الزوال اهـ‏.‏

 باب سنن الفطرة

1- عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم خمس من الفطرة الاستحداد والختان وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خمس من الفطرة‏)‏ قد تقدم الكلام فيه في أول أبواب السواك والمراد بقوله‏:‏ خمس من الفطرة في حديث الباب أن هذه الأشياء إذا فعلت اتصف فاعلها بالفطرة التي فطر اللَّه العباد عليها وحثهم عليها واستحبها لهم ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها صورة‏.‏

وقد رد البيضاوي الفطرة في حديث الباب إلى مجموع ما ورد في معناه مما تقدم فقال‏:‏ هي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جبلي ينطوون عليها وسوغ الابتداء بالنكرة في قوله‏:‏ خمس أنه صفة موصوف محذوف والتقدير خصال خمس ثم فسرها أو على الإضافة أي خمس خصال ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف والتقدير الذي شرع لكم خمس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الاستحداد‏)‏ هو حلق العانة سمي استحدادًا لاستعمال الحديدة وهي الموسى وهو سنة بالاتفاق ويكون بالحلق والقص والنتف والنورة‏.‏ قال النووي‏:‏ والأفضل الحلق والمراد بالعانة الشعر فوق ذكر الرجل وحواليه وكذلك الشعر حول فرج المرأة‏.‏

ونقل عن أبي العباس ابن سريج أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر‏.‏ قال النووي‏:‏ فيحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما انتهى‏.‏

وأقول‏:‏ الاستحداد إن كان في اللغة حلق العانة كما ذكره النووي فلا دليل على سنية حلق الشعر النابت حول الدبر وإن كان الاحتلاق بالحديد كما في القاموس فلا شك أنه أعم من حلق العانة ولكنه وقع في مسلم وغيره بدل الاستحداد في حديث ‏(‏عشر من الفطرة حلق العانة‏)‏ فيكون مبينًا لإطلاق الاستحداد في حديث ‏(‏خمس من الفطرة‏)‏ فلا يتم دعوى سنية حلق شعر الدبر أو استحبابه إلا بدليل ولم نقف على حلق شعر الدبر من فعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولا من فعل أحد من أصحابه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والختان‏)‏ اختلف في وجوبه وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعد هذا‏.‏ والختان قطع جميع الجلدة التي تغطي الحشفة حتى تنكشف جميع الحشفة وفي المرأة قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقص الشارب‏)‏ هو سنة بالاتفاق والقاص مخير بين أن يتولى ذلك بنفسه أو يوليه غيره لحصول المقصود بخلاف الإبط والعانة وسيأتي مقدار ما يقص منه في باب أخذ الشارب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونتف الإبط‏)‏ هو سنة بالاتفاق أيضًا قال النووي‏:‏ الأفضل فيه النتف إن قوي عليه ويحصل أيضًا بالحلق والنورة‏.‏

وحكى عن يونس بن عبد الأعلى قال‏:‏ دخلت على الشافعي وعنده المزين يحلق إبطه فقال الشافعي‏:‏ علمت أن السنة النتف ولكن لا أقوى على الوجع‏.‏ ويستحب أن يبدأ بالإبط الأيمن لحديث التيمن وفيه ‏(‏كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله‏)‏ وكذلك يستحب أن يبدأ في قص الشارب بالجانب الأيمن لهذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تقليم الأظفار‏)‏ وقع في الرواية الآتية في صحيح مسلم وغيره ‏(‏قص الأظفار‏)‏ وهو سنة بالاتفاق أيضًا والتقليم تفعيل من القلم وهو القطع‏.‏ قال النووي‏:‏ ويستحب أن يبدأ باليدين قبل الرجلين فيبدأ بمسبحة يده اليمنى ثم الوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم الإبهام ثم يعود إلى اليسرى فيبدأ بخنصرها ثم ببنصرها إلى آخره ثم يعود إلى الرجل اليمنى فيبدأ بخنصرها ويختم بخنصر اليسرى انتهى ‏[‏وفيه نظر لأن الاستحباب حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل وليس عندنا في ذلك شيء يثبت من فعل الرسول صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولا فعل أصحابه إلا ما ورد من حبه عليه السلام للتيامن فقط وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس وأما الترتيب في الأصابع على الصفة التي ذكرها فلعله من استحسانه واللَّه يغفر له‏.‏ وسبقه إلى ذلك الغزالي وذكر حديثًا لا أصل له وأنكر عليه الإمام المازري المالكي وغيره واللَّه أعلم‏]‏‏.‏

وعن أنس بن مالك قال‏:‏ ‏(‏وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة‏)‏‏.‏

رواه مسلم وابن ماجه ورواه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود وقالوا‏:‏ ‏(‏وقت لنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقت لنا‏)‏ في الرواية الأولى على البناء للمجهول وقد وقع خلاف في علم الأصول والاصطلاح هل هي صيغة رفع أو لا والأكثر أنها صيغة رفع إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا قالها الصحابي مثل قوله‏:‏ أمرنا بكذا ونهينا عن كذا وقد صرح في الرواية الثانية من حديث الباب بأن الموقت هو النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فارتفع الاحتمال لكن في إسنادها صدقة بن موسى أبو المغيرة ويقال أبو محمد السلمي البصري الدقيقي قال يحيى بن معين‏:‏ ليس بشيء وقال مرة‏:‏ ضعيف وقال النسائي‏:‏ ضعيف وقال الترمذي‏:‏ ليس بالحافظ وقال أبو حاتم الرازي‏:‏ لين الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بالقوي‏.‏ وقال أبو حاتم ابن حبان‏:‏ كان شيخًا صالحًا إلا أن الحديث لم يكن صناعته فكان إذا روى قلب الأخبار حتى خرج عن حد الاحتجاج به‏.‏

وقد أخرج الرواية الأولى في صحيح مسلم عن يحيى بن يحيى وقتيبة كلاهما عن جعفر بن سليمان عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك بذلك اللفظ قال القاضي عياض قال العقيلي في حديث جعفر هذا نظر‏.‏

وقال أبو عمر بن عبد البر‏:‏ لم يروه إلا جعفر بن سليمان وليس بحجة لسوء حفظه وكثرة غلطه‏.‏ قال النووي‏:‏ وقد وثق كثير من الأئمة المتقدمين جعفر بن سليمان ويكفي في توثيقه احتجاج مسلم به وقد تابعه غيره انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن لا نترك‏)‏ قال النووي‏:‏ معناه تركًا نتجاوز به أربعين لا أنه وقت لهم الترك أربعين قال‏:‏ والمختار أنه يضبط بالحاجة والطول فإذا طال حلق انتهى‏.‏

قلت‏:‏ بل المختار أنه يضبط بالأربعين التي ضبط بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فلا يجوز تجاوزها ولا يعد مخالفًا للسنة من ترك القص ونحوه بعد الطول إلى انتهاء تلك الغاية‏.‏

3- وعن زكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن ابن الزبير عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء يعني الاستنجاء قال زكريا قال مصعب ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا أبو داود من حديث عمار وصححه ابن السكن قال الحافظ‏:‏ وهو معلول ورواه الحاكم والبيهقي من حديث ابن عباس موقوفًا في تفسير قوله‏:‏ تعالى ‏{‏وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات‏}‏ قال‏:‏ خمس في الرأس وخمس في الجسد فذكره‏.‏

وقد تقدم الكلام على قص الشارب والسواك وقص الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإعفاء اللحية‏)‏ إعفاء اللحية توفيرها كما في القاموس‏.‏ وفي رواية للبخاري ‏(‏وفروا اللحى‏)‏ وفي رواية أخرى لمسلم ‏(‏أوفوا اللحى‏)‏ وهو بمعناه وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشارع عن ذلك وأمر بإعفائها قال القاضي عياض‏:‏ يكره حلق اللحية وقصها وتحريفها ‏[‏هكذا بالحاء والراء ولعله محرف عن تحليقها‏]‏‏.‏ وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن وتكره الشهرة في تعظيمها كما تكره في قصها وجزها‏.‏

وقد اختلف السلف في ذلك فمنهم من لم يحد بحد بل قال‏:‏ لا يتركها إلى حد الشهرة ويأخذ منها وكره مالك طولها جدًا ومنهم من حد بما زاد على القبضة فيزال ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واستنشاق الماء‏)‏ وسيأتي الكلام عليه في الوضوء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وغسل البراجم‏)‏ هي بفتح الباء الموحدة وبالجيم جمع برجمة بضم الباء والجيم وهي عقد الأصابع ومعاطفها كلها وغسلها سنة مستقلة ليست بواجبة‏.‏ قال العلماء‏:‏ ويلحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وقعر الصماخ فيزيله بالمسح ونحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وانتقاص الماء‏)‏ هو بالقاف والصاد المهملة وقد ذكر المصنف تفسيره بأنه الاستنجاء وكذلك فسره وكيع وقال أبو عبيد وغيره‏:‏ معناه انتقاص البول بسبب استعمال الماء في غسل مذاكيره‏.‏ وقيل هو الانتضاح وقد جاء في رواية بدل الانتقاص الانتضاح والانتضاح نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينفي عنه الوسواس‏.‏

وذكر ابن الأثير أنه روى انتفاص بالفاء والصاد المهملة وقال في فصل الفاء‏:‏ قيل الصواب أنه بالفاء قال‏:‏ والمراد نضحه على الذكر لقوله‏:‏م لنضح الدم القليل نفصة وجمعها نفص ‏[‏النفصة هي بضم النون وسكون الفاء وفتح الصاد‏.‏ وقوله‏:‏ نفص هو بضم النون وفتح الفاء‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ والانتفاص رش الماء من خلل الأصابع على الذكر‏]‏‏.‏ قال النووي‏:‏ وهذا الذي نقله شاذ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة‏)‏ هذا شك منه قال القاضي عياض‏:‏ ولعلها الختان المذكور مع الخمس الأولى قال النووي‏:‏ وهو أولى وسيأتي الكلام على المضمضة في الوضوء‏.‏

وقد استدل الرافعي بالحديث على أن المضمضة والاستنشاق سنة وروي الحديث بلفظ‏:‏ ‏(‏عشر من السنة‏)‏ ورده الحافظ في التلخيص بأن لفظ الحديث ‏(‏عشر من الفطرة‏)‏ قال‏:‏ بل ولو ورد بلفظ من السنة لم ينتهض دليلًا على عدم الوجوب لأن المراد به السنة أي الطريقة لا السنة بالمعنى الاصطلاحي الأصولي قال‏:‏ وفي الباب عن ابن عباس مرفوعًا ‏(‏المضمضة والاستنشاق سنة‏)‏ رواه الدارقطني وهو ضعيف‏.‏

 باب الختان

1- عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه‏:‏ أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم‏)‏‏.‏

متفق عليه إلا أن مسلمًا لم يذكر السنين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الختان‏)‏ بكسر المعجمة وتخفيف المثناة مصدر ختن أي قطع والختن بفتح ثم سكون قطع بعض مخصوص من عضو مخصوص والاختتان والختان اسم لفعل الخاتن ولموضع الختان كما في حديث عائشة ‏(‏إذا التقى الختانان‏)‏ قال الماوردي‏:‏ ختان الذكر قطع الجلدة التي تغطي الحشفة والمستحب أن تستوعب من أصلها عند أول الحشفة وأقل ما يجزئ أن لا يبقى منها ما يتغشى به‏.‏

وقال إمام الحرمين‏:‏ المستحق في الرجال قطع القلفة وهي الجلدة التي تغطي الحشفة حتى لا يبقى من الجلدة شيء يتدلى‏.‏

وقال ابن الصباغ‏:‏ حتى تنكشف جميع الحشفة‏.‏ وقال ابن كج فيما نقله الرافعي‏:‏ يتأدى الواجب بقطع شيء مما فوق الحشفة وإن قل بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها قال النووي‏:‏ وهو شاذ والأول هو المعتمد قال الإمام‏:‏ والمستحق من ختان المرأة ما ينطلق عليه الاسم وقال الماوردي‏:‏ ختانها قطع جلدة تكون في أعلى فرجها فوق مدخل الذكر كالنواة أو كعرف الديك والواجب قطع الجلدة المستعلية منه دون استئصاله قال النووي‏:‏ ويسمى ختان الرجل إعذارًا بذال معجمة وختان المرأة خفضًا بخاء وضاد معجمتين وقال أبو شامة‏:‏ كلام أهل اللغة يقتضي تسمية الكل إعذارًا والخفض يختص بالنساء قال أبو عبيد‏:‏ عذرت الجارية والغلام وأعذرتهما ختنتهما وزنًا ومعنى‏.‏

قال الجوهري‏:‏ والأكثر خفض الجارية قال‏:‏ وتزعم العرب أن الولد إذا ولد في القمر اتسعت قلفته فصار كالمختون وقد استحب جماعة من العلماء فيمن ولد مختونًا أن يمر بالموسى على موضع الختان من غير قطع‏.‏ قال أبو شامة‏:‏ وغالب من يكون كذلك لا يكون ختانه تامًا بل يظهر طرف الحشفة فإن كان كذلك وجب تكميله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالقدوم‏)‏ بفتح القاف وضم الدال وتخفيفها آلة النجارة‏.‏ وقيل اسم الموضع الذي اختتن فيه إبراهيم وهو الذي في القاموس يقال ‏[‏في العبارة غموض ولعل لفظة يقال زائدة أو محرفة‏.‏ وقوله‏:‏ قد ذكره في باب فضل إبراهيم لعله يريد ما رواه البخاري وما ذكره الحافظ في الفتح في ذلك الموضع وكثيرًا ما يقول الشوكاني وما قاله وما ذكره أو قال يريد بذلك صاحب الفتح تنبه واللَّه أعلم‏]‏‏.‏ بل قد ذكره في باب فضل إبراهيم الخليل من رواية أبي هريرة مع ذكر السنين‏.‏

وأورد المصنف الحديث في هذا الباب للاستدلال به على أن مدة الختان لا تختص بوقت معين وهو مذهب الجمهور وليس بواجب في حال الصغر وللشافعية وجه أنه يجب على الولي أن يختن الصغير قبل بلوغه ويرده حديث ابن عباس الآتي ولهم أيضًا وجه أنه يحرم قبل عشر سنين ويرده حديث ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ختن الحسن والحسين يوم السابع من ولادتهما‏)‏ أخرجه الحاكم والبيهقي من حديث عائشة وأخرجه البيهقي من حديث جابر‏.‏ قال النووي بعد أن ذكر هذين الوجهين‏:‏ وإذا قلنا بالصحيح استحب أن يختتن في اليوم السابع من ولادته وهل يحسب يوم الولادة من السبع أو يكون سبعة سواه فيه وجهان أظهرهما يحسب انتهى‏.‏

واختلف في وجوب الختان فروى الإمام يحيى عن العترة والشافعي وكثير من العلماء أنه واجب في حق الرجال والنساء‏.‏ وعند مالك وأبي حنيفة والمرتضى قال النووي وهو قول أكثر العلماء ‏'‏نه سنة فيهما وقال الناصر والإمام يحيى‏:‏ إنه واجب في الرجال لا النساء‏.‏

احتج الأولون بما سيأتي من حديث عثيم بلفظ‏:‏ ‏(‏ألق عنك شعر الكفر واختتن‏)‏ وهو لا ينتهض للحجية لما فيه من المقال الذي سنبينه هنالك وبحديث أبي هريرة أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏من أسلم فليختتن‏)‏ وقد ذكره الحافظ في التلخيص ولم يضعفه وتعقب بقول ابن المنذر وليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع وبحديث أم عطية وكانت خافضة بلفظ‏:‏ ‏(‏اشمى ولا تنهكي‏)‏ ‏[‏الذي في سنن أبي داود ‏(‏اشمي‏)‏ بشين مكسورة وميم مشدودة مكسورة قال في النهاية اشمي ولا تنهكي شبه القطع اليسير بإشمام الرائحة والنهك بالمبالغة فيه أي اقطعي بعض النواة ولا تستأصليها‏]‏‏.‏ عند الحاكم والطبراني والبيهقي وأبي نعيم من حديث الضحاك بن قيس وقد اختلف فيه على عبد الملك ابن عمير فقيل عنه عن الضحاك وقيل عنه عن عطية القرظي رواه أبو نعيم وقيل عنه عن أم عطية رواه أبو داود في السنن وأعله بمحمد بن حسان فقال‏:‏ إنه مجهول ضعيف وتبعه ابن عدي في تجهيله والبيهقي وخالفهم عبد الغني بن سعيد فقال‏:‏ هو محمد بن سعيد المصلوب في الزندقة ورواه ابن عدي من حديث سالم بن عبد اللَّه ابن عمر والبزار من حديث نافع كلاهما عن عبد اللَّه بن عمر مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏يا نساء الأنصار اختضبن غمسًا واختفضن ولا تنهكن وإياكن وكفران النعم‏)‏ قال الحافظ‏:‏ في إسناد أبي نعيم مندل بن علي وهو ضعيف وفي إسناد ابن عدي خالد بن عمرو القرشي وهو أضعف من مندل ورواه الطبراني وابن عدي من حديث أنس نحو حديث أبي داود قال ابن عدي‏:‏ تفرد به زائدة وهو منكر قاله البخاري عن ثابت وقال الطبراني‏:‏ تفرد به محمد ابن سلام‏.‏

واحتج القائلون بأنه سنة بحديث ‏(‏الختان سنة في الرجال مكرمة في النساء‏)‏ رواه أحمد والبيهقي من حديث الحجاج بن أرطأة عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه والحجاج مدلس وقد اضطرب فيه قتادة رواه هكذا وتارة رواه بزيادة شداد بن أوس بعد والد أبي المليح أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم في العلل والطبراني في الكبير وتارة رواه عن مكحول عن أبي أيوب أخرجه أحمد وذكره ابن أبي حاتم في العلل وحكى عن أبيه أنه خطأ من حجاج أو من الراوي عنه وهو عبد الواحد بن زياد وقال البيهقي‏:‏ هو ضعيف منقطع‏.‏ وقال ابن عبد البر في التمهيد‏:‏ هذا الحديث يدور على حجاج بن أرطأة وليس ممن يحتج به قال الحافظ‏:‏ وله طريق أخرى من غير رواية حجاج فقد رواه الطبراني في الكبير والبيهقي من حديث ابن عباس مرفوعًا وضعفه البيهقي في السنن وقال في المعرفة‏:‏ لا يصح رفعه وهو من رواية الوليد عن أبي ثوبان عن ابن عجلان عن عكرمة عنه ورواته موثقون إلا أن فيه تدليسًا اهـ‏.‏ ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج لا حجة فيه على المطلوب لأن لفظة السنة في لسان الشارع أعم من السنة في اصطلاح الأصوليين‏.‏

واحتج المفصلون لوجوبه على الرجال بحجج القول الأول ولعدم وجوبه على النساء بما في الحديث الذي احتج به أهل القول الثاني من قوله‏:‏ ‏(‏مكرمة في النساء‏)‏‏.‏

والحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب والمتيقن السنة كما في حديث ‏(‏خمس من الفطرة‏)‏ ونحوه والواجب الوقوف على المتيقن إلى أن يقوم ما يوجب الانتقال عنه قال البيهقي‏:‏ أحسن الحجج أن يحتج بحديث أبي هريرة المذكور في الباب أن إبراهيم اختتن وهو ابن ثمانين سنة وقد قال اللَّه تعالى ‏{‏ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا‏}‏ وصح عن ابن عباس أن الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فأتمهن هن خصال الفطرة ومنهن الختان‏.‏ والابتلاء غالبًا إنما يقع بما يكون واجبًا وتعقب بأنه لا يلزم ما ذكر إلا أن كان إبراهيم فعله على سبيل الوجوب فإنه من الجائز أن يكون فعله على سبيل الندب فيحصل امتثال الأمر بإتباعه على وفق ما فعل وقد تقرر أن الأفعال لا تدل على الوجوب وأيضًا فباقي الكلمات العشر ليست واجبة‏.‏ وقال الماوردي‏:‏ إن إبراهيم لا يفعل ذلك في مثل سنه إلا عن أمر من اللَّه‏.‏

والحاصل أن الاستدلال بفعل إبراهيم على الوجوب يتوقف على أنه كان عليه واجبًا فإن ثبت ذلك استقام الاستدلال‏.‏

2- وعن سعيد بن جبير قال‏:‏ ‏(‏سئل ابن عباس مثل من أنت حين قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ أنا يومئذ مختون وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى يدرك‏)‏ الإدراك في أصل اللغة بلوغ الشيء وقته وأراد به ههنا البلوغ‏.‏ والحديث يدل على ما أسلفناه من أن الختان غير مختص بوقت معين وقد تقدم الكلام فيه في الحديث الذي قبله‏.‏ ومن فوائد هذا الحديث أن ابن عباس كان عند موت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في سن البلوغ وسيأتي ذكر الاختلاف في عمره عند موت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في باب ما يقطع الصلاة بمروره من أبواب السترة‏.‏

3- وعن ابن جريج قال‏:‏ أخبرت عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده‏:‏ ‏(‏أنه جاء إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ قد أسلمت قال ألق عنك شعر الكفر يقول‏:‏ احلق قال‏:‏ وأخبرني آخر معه أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال لآخر‏:‏ ألق عنك شعر الكفر واختتن‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

وأخرجه أيضًا الطبراني وابن عدي والبيهقي قال الحافظ‏:‏ وفيه انقطاع وعثيم وأبوه مجهولان قاله ابن القطان وقال عبدان هو عثيم بن كثير بن كليب والصحابي هو كليب وإنما نسب عثيم في الإسناد إلى جده وقد وقع مبينًا في رواية الواقدي أخرجه ابن منده في المعرفة وقال ابن عدي‏:‏ الذي أخبر ابن جريج به هو إبراهيم بن أبي يحيى وعثيم بضم العين المهملة ثم ثاء مثلثة بلفظ التصغير‏.‏ والحديث استدل به من قال بوجوب الختان لما فيه من لفظ الأمر به وقد تقدم الكلام عليه‏.‏

‏[‏فائدة‏]‏ اختلف في ختان الخنثى فقيل يجب ختانه في فرجيه قبل البلوغ وقيل لا يجوز حتى يتبين وهو الأظهر قاله النووي‏.‏ وأما من له ذكران فإن كانا عاملين وجب ختانهما وإن كان أحدهما عاملًا دون الآخر ختن وإذا مات إنسان قبل أن يختتن فلأصحاب الشافعي ثلاثة أوجه الصحيح المشهور لا يختن كبيرًا كان أو صغيرًا والثاني يختن والثالث يختن الكبير دون الصغير‏.‏

 باب أخذ الشارب وإعفاء اللحية

1- عن زيد بن أرقم رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ من لم يأخذ من شاربه فليس منا‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال‏:‏ حديث صحيح‏.‏

2- وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

3- وعن ابن عمر عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب‏)‏‏.‏

متفق عليه زاد البخاري ‏(‏وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه‏)‏‏.‏

الكلام على ألفاظ هذه الأحاديث قد تقدم في باب سنن الفطرة‏.‏ وقد اختلف الناس في حد ما يقص من الشارب وقد ذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه لظاهر قوله‏:‏ ‏(‏احفوا وانهكوا‏)‏ وهو قول الكوفيين وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصال وإليه ذهب مالك وكان يرى تأديب من حلقه‏.‏ وروى عنه ابن القاسم أنه قال‏:‏ إحفاء الشارب مثله‏.‏ قال النووي‏:‏ المختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفيه من أصله قال‏:‏ وأما رواية ‏(‏احفوا الشوارب‏)‏ فمعناها ما طال عن الشفتين وكذلك قال مالك في الموطأ يؤخذ من الشارب حتى يبدو أطراف الشفة‏.‏

قال ابن القيم‏:‏ وأما أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد فكان مذهبهم في شعر الرأس والشوارب أن الإحفاء أفضل من التقصير وذكر بعض المالكية عن الشافعي أن مذهبه كمذهب أبي حنيفة في حلق الشارب قال الطحاوي‏:‏ ولم أجد عن الشافعي شيئًا منصوصًا في هذا وأصحابه الذين رأيناهم المزني والربيع كانا يحفيان شواربهما ويدل ذلك أنهما أخذاه عن الشافعي وروى الأثرم عن الإمام أحمد أنه كان يحفي شاربه إحفاء شديدًا وسمعته يسأل عن السنة في إحفاء الشارب فقال‏:‏ يحفى‏.‏

وقال حنبل‏:‏ قيل لأبي عبد اللَّه ترى للرجل يأخذ شاربه ويحفيه أم كيف يأخذه قال‏:‏ إن أحفاه فلا بأس وإن أخذه قصًا فلا بأس‏.‏

وقال أبو محمد في المغني‏:‏ هو مخير بين أن يحفيه وبين أن يقصه‏.‏ وقد روى النووي في شرح مسلم عن بعض العلماء أنه ذهب إلى التخيير بين الأمرين الإحفاء وعدمه‏.‏

وروى الطحاوي الإحفاء عن جماعة من الصحابة أبي سعيد وأبي أسيد ورافع بن خديج وسهل بن سعد وعبد اللَّه بن عمر وجابر وأبي هريرة‏.‏

قال ابن القيم‏:‏ واحتج من لم ير إحفاء الشارب بحديث عائشة وأبي هريرة المرفوعين ‏(‏عشر من الفطرة‏)‏ فذكر منها قص الشارب‏.‏ وفي حديث أبي هريرة ‏(‏أن الفطرة خمس‏)‏ وذكر منها قص الشارب‏.‏

واحتج المحفون بأحاديث الأمر بالإحفاء وهي صحيحة وبحديث ابن عباس أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏كان يحفي شاربه‏)‏ انتهى‏.‏

والإحفاء ليس كما ذكره النووي من أن معناه احفوا ما طال عن الشفتين بل الإحفاء الاستئصال كما في الصحاح والقاموس والكشاف وسائر كتب اللغة‏.‏

ورواية القص لا تنافيه لأن القص قد يكون على جهة الإحفاء وقد لا يكون ورواية الإحفاء معينة للمراد وكذلك حديث الباب الذي فيه من لم يأخذ من شاربه فليس منا لا يعارض رواية الإحفاء لأن فيها زيادة يتعين المصير إليها ولو فرض التعارض من كل وجه لكانت رواية الإحفاء أرجح لأنها في الصحيحين‏.‏

وروى الطحاوي أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أخذ من شارب المغيرة على سواكه قال‏:‏ وهذا لا يكون معه إحفاء ويجاب عنه بأنه محتمل ودعوى أنه لا يكون معه إحفاء ممنوعة وهو إن صح كما ذكر لا يعارض تلك الأقوال منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأرخوا اللحى‏)‏ قال النووي‏:‏ هو بقطع الهمزة والخاء المعجمة ومعناه اتركوا ولا تتعرضوا لها بتغيير قال القاضي عياض‏:‏ وقع في رواية الأكثرين بالخاء المعجمة ووقع عند ابن ماهان أرجوا بالجيم قيل هو بمعنى الأول وأصله أرجئوا بالهمزة فحذفت تخفيفًا ومعناه أخروها واتركوها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفروا اللحى‏)‏ هي إحدى الروايات وقد حصل من مجموع الأحاديث خمس روايات اعفوا وأوفوا وأرخوا وأرجوا ووفروا ومعناها كلها تركها على حالها‏.‏ قال ابن السكيت وغيره‏:‏ يقال في جمع اللحية لحى ولحى بكسر اللام وضمها لغتان والكسر أفصح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خالفوا المجوس‏)‏ قد سبق أنه كان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فما فضل‏)‏ بفتح الفاء والضاد المعجمة ويجوز كسر الضاد كعلم والأشهر الفتح‏.‏ وقد استدل بذلك أهل العلم والروايات المرفوعة ترده ولكنه قد أخرج الترمذي من حديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وله وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها‏)‏ وقال‏:‏ غريب قال‏:‏ سمعت محمد بن إسماعيل يعني البخاري يقول‏:‏ عمرو بن هارون يعني المذكور في إسناده مقارب الحديث لا أعرف له حديثًا ليس له أصل أو قال ينفرد به إلا هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديثه انتهى‏.‏

وقال في التقريب‏:‏ إنه متروك وكان حافظًا من كبار التاسعة انتهى‏.‏ فعلى هذا إنها لا تقوم بالحديث حجة‏.‏

‏[‏فائدة‏]‏ قال النووي ‏[‏ذكر النووي في شرح مسلم عن العلماء أن في اللحية اثنتي عشرة خصلة مكروهة وأوردها معدودة وقد أورد الشارح هنا كلام النووي كما ترى فظاهره أنه ذكر النووي في اللحية عشر خصال واستظهر عليه بخصلتين وليس كذلك بل ذكر اثنتي عشرة خصلة‏.‏ وقول الشارح هذه عشر ليس كما قال بل هي في كلامه تسع كما عدها النووي وترك الشارح العاشرة وهي النظر إلى سوادها وبياضها إعجابًا وخيلاء وغرة بالشباب وفخرًا بالمشيب وتطاولًا على الشباب‏.‏ تنبه لذلك واللَّه أعلم‏.‏

‏[‏فائدة‏]‏ سئل الإمام أحمد بن حنبل عن حف الوجه فقال‏:‏ ليس به بأس للنساء وأكرهه للرجال‏]‏ ‏:‏ وقد ذكر العلماء في اللحية عشر خصال مكروهة بعضها أشد من بعض‏:‏ الخضاب بالسواد لا لغرض الجهاد‏.‏ والخضاب بالصفرة تشبهًا بالصالحين لا لإتباع السنة‏.‏ وتبييضها بالكبريت أو غيره استعجالًا للشيخوخة لأجل الرياسة والتعظيم وإيهام لقي المشايخ‏.‏ ونتفها أول طلوعها إيثارًا للمرودة وحسن الصورة‏.‏ ونتف الشيب‏.‏ وتصفيفها طاقة فوق طاقة تصنعًا لتستحسنه النساء وغيرهن‏.‏ والزيادة فيها والنقص منها بالزيادة في شعر العذارين من الصدغين أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس ونتف جانبي العنفقة وغير ذلك‏.‏ وتسريحها تصنعًا لأجل الناس‏.‏ وتركها شعثة منتفشة إظهارًا للزهادة وقلة المبالاة بنفسه‏.‏ هذه عشر والحادية عشرة عقدها وضفرها‏.‏ والثانية عشرة حلقها إلا إذا نبت للمرأة لحية فيستحب لها حلقها‏.‏